صلاح الدين الايوبى
القائد المجاهد .. بطل الاسلام قاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي
هو قائد بطل ، الكل يعرفه ، هو السلطان الكبير ، والملك الناصر . يعرفه المسلم والكافر ، دوّخ الصليبيين
وقاتَل الشيعة حتى هدم عروشهم ، ومحـا مُلكهم ، وأقام السنة مكان البدعة . من أجل ذلك تبغضه الشيعة ولا تحبه !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وقد عرف العارفون بالإسلام أن الرافضة تميل مع أعداء الدين ، ولما كانوا
ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهوديا ، ومرة نصرانيا أرمينيا ، وقويت
النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني ، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة
أولئك الرافضة المنافقين ، وكانوا ينادون بين القصرين من لعن وسبّ فله
دينار وإردبّ ، وفى أيامهم أَخَذَت النصارى ساحل الشام من المسلمين حتى
فتحه نور الدين وصلاح الدين ، وفى أيامهم جاءت الفرنج إلى " بلبيس "
وغُلبوا من الفرنج فإنهم منافقون وأعانهم النصارى ، والله لا ينصر
المنافقين الذين هم يوالون النصارى ، فبعثوا إلى نور الدين يطلبون النجدة
، فأمدهم بأسد الدين وابن أخيه صلاح الدين ، فلما جاءت الغزاة المجاهدون
إلى ديار مصر قامت الرافضة مع النصارى فطلبوا قتال الغزاة المجاهدين
المسلمين ، وجرت فصول يعرفها الناس حتى قَتَلَ صلاح الدين مقدمهم " شاور "
، ومن حينئذ ظهرت بهذه البلاد كلمة الإسلام والسنة والجماعة ، وصار يقرأ
فيها أحاديث رسول الله عليه وسلم . انتهى كلامه .( الإردب : مكيال ).
وقولهم ( من لعن وسبّ ) يعني من لعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وسبّهم .
اسمـه :
يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني ثم التكريتي المولد .
كنيتـه : أبو المظفر .
لقبه : صلاح الدين .
مولده :
ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة ، إذ كان أبوه نجم الدين متولي تكريت
نيابة . وكان أبوه ذا صلاح ، ولم يكن صلاح الدين بأكبر أولاده .
قال بن خلكان : بلغني أن صلاح الدين قدم به أبوه وهو رضيع ، فناب أبوه
ببعلبك إلى آخذها أتابك زنكي ، وقيل : إنهم خرجوا من تكريت في ليلة مولد
صلاح الدين ، فتطيّروا به ! فقال شيركوه - أو غيره - : لعل فيه الخير ،
وأنتم لا تعلمون .
طلبه للعلم :
سمع من أبي طاهر السِّلفي ، والفقيه علي بن بنت أبي سعد ، وأبي الطاهر بن عوف .
وصف مجلس من مجالسه :
قال الموفق عبد اللطيف : أتيت وصلاح الدين بالقدس ، فرأيت ملكا يملأ
العيون روعة ، والقلوب محبة ، قريباً بعيداً سهلاً محبباً ، وأصحابه
يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف ، كما قال تعالى : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حَفْلاً بأهل العلم
يتذاكرون ، وهو يحسن الاستماع والمشاركة ، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار ،
وحفر الخنادق ، ويأتي بكل معنى بديع ، وكان مهتماُ في بناء سور بيت المقدس
وحفر خندقه ، ويتولى ذلك بنفسه ، وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به الخلق
حتى القاضي الفاضل ، والعماد إلى وقت الظهر ، فيمد السماط ويستريح ويركب
العصر ، ثم يرجع في ضوء المشاعل .
أعماله وجهاده :
- لي صلاح الدين وزارة العاضد ، وكانت كالسلطنة ، فولي بعد عمّه سنة 564 هـ .
كان نور الدين قد أمّره وبعثه في عسكره مع عمه أسد الدين شيركوه ، فحكم
شيركوه على مصر ، فما لبث أن توفي ، فقام بعده صلاح الدين ، ودانت له
العساكر ، وقهر بني عبيد ( الرافضة في مصر ) ومحـا دولتهم ، واستولى على
قصر القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس ، منها الجبل الياقوت الذي وزنه
سبعة عشر درهما . وخلا القصر من أهله وذخائره وأقام الدعوة العباسية .
وكان خليقاً للإمارة ، مهيباً شجاعاً حازماً مجاهداً ، كثير الغزو عالي
الهمة ، كانت دولته نيفا وعشرين سنة .
- تملّك بعد نور الدين واتسعت بلاده .
- منذ تسلطن طلّق الخمر واللذات ، وأنشأ سورا على القاهرة ومصر ، وبعث
أخاه شمس الدين في سنة ثمان وستين فافتتح برقة ، ثم افتتح اليمن ، وسار
صلاح الدين فأخذ دمشق من ابن نور الدين ،
- في سنة إحدى وسبعين حاصر عَزاز ووثبت عليه الباطنية فجرحوه .
- في سنة ثلاث كسرته الفرنج على الرملة وفر في جماعة ونجـا .
- في سنة خمس التقاهم وكسرهم .
- في سنة ست أمر ببناء قلعة الجبل .
- في سنة ثمان عَدّى الفرات ، وأخذ حرّان وسَروج والرَّقَة والرُّها
وسنجار والبيرة وآمد ونصيبين ، حاصر الموصل ، ثم تملك حلب وعوض عنها
صاحبها زنكي بسنجار ، ثم إنه حاصر الموصل ثانيا وثالثا ، ثم صالحه صاحبها
عز الدين مسعود ، ثم أخذ شهرزور والبوازيج .
- في سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية ، ونازل عسقلان ، ثم كانت وقعة حطين بينه
وبين الفرنج ، وكانوا أربعين ألفا ، فحال بينهم وبين الماء على تلّ ،
وسلموا نفوسهم ، وأسرت ملوكهم ، وبادر فأخذ عكا وبيروت وكوكب ، وسار فحاصر
القدس ، وجدّ في ذلك فأخذها بالأمان .
- سار عسكرٌ لابن أخيه تقي الدين عمر فأخذوا أوائل المغرب ، وخطبوا بها لبني العباس .
ثم إن الفرنج قامت قيامتهم على بيت المقدس ، وأقبلوا كقطيع الليل المظلم
براً وبحراً وأحاطوا بعكا ليستردوها ، وطال حصارهم لها ، وبنوا على نفوسهم
خندقا ، فأحاط بهم السلطان ودام الحصار لهم وعليهم نيفاً وعشرين شهراً ،
وجرى في غضون ذلك ملاحم وحروب تُشيّب النواصي ، وما فكوا حتى أخذوها ،
وجرت لهم وللسلطان حروب وسير ، وعندما ضرس الفريقان ، وكلّ الحزبان ،
تهادن الملّتان .
- كانت له همة في إقامة الجهاد ، وإبادة الأضداد ما سمع بمثلها لأحد في دهر .
- تعرّض صلاح الدين لمحاولة اغتيال مِن قِبل الباطنية ، ولكن الله نجاه وسلمه .
- في سنة تسع وسبعين نازل صلاح الدين حلب وأخذها .
- في سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج ، وقهرهم وأباد
خضراءهم وأسر ملوكهم على حطين ، وكان قد نذر أن يقتل " أرناط " صاحب الكرك
، فأسره يومئذ ، وكان قد مـرّ به قوم من مصر في حال الهدنة ، فغدر بهم ،
فناشدوه الصلح ، فقال ما فيه استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
وقَتَلَهم ، فاستحضر صلاح الدين الملوك ، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب
ثلج ، فشرب ، فناول أرناط ، فشرب ، فقال السلطان للترجمان : قل لجفري :
أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته ، ثم استحضر " البرنس أرناط " في مجلس
آخر ، وقال : أنا أنتصر لمحمد صلى الله عليه وسلم منك ، ثم عرض عليه
الإسلام ، فأبى ، فَحَلّ كتفه بالنيمجاه ، وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك ،
وطار صيته في الدنيا ، وهابته الملوك . و " النيمجاه " خنجر مقوّس ، يُشبه
السيف القصير .
قال ابن كثير في كلامه عن معركة حطين :
فتواجه الفريقان وتقابل الجيشان وأسفر وجه الإيمان واغبر وأقتم وأظلم وجه
الكفر والطغيان ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان ، وذلك عشية يوم
الجمعة ، فبات الناس على مصافّهم وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوما
عسيراً على أهل الأحد ، وذلك لخمس بقين من ربيع الآخر ، فطلعت الشمس على
وجوه الفرنج ، واشتد الحر ، وقوى بهم العطش ، وكان تحت أقدام خيولهم حشيش
قد صار هشيما ، وكان ذلك عليهم مشئوما ، فأمر السلطان النفاطة أن يرموه
بالنفط ، فرموه فتأجج ناراً تحت سنابك خيولهم ، فاجتمع عليهم حرّ الشمس
وحرّ العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال ، وتبارز الشجعان ، ثم
أمر السلطان بالتكبير والحملة الصادقة ، فحملوا ، وكان النصر من الله عز
وجل ، فمنحهم الله أكتافهم ، فقُتل منهم ثلاثون ألفاً في ذلك اليوم ، وأسر
ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم ، وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم سوى
قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة ، واستلبهم السلطان صليبهم الأعظم
، وهو الذين يزعمون أنه صلب عليه المصلوب ، وقد غلفوه بالذهب واللآلىء
والجواهر النفسية ، ولم يُسمع بمثل هذا اليوم في عزّ الإسلام وأهله ، ودمغ
الباطل وأهله ، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفاً وثلاثين
أسيراً من الفرنج قد ربطهم بطنب خيمة ، وباع بعضهم أسيراً بنعل ليلبسها في
رجله ، وَجَرَتْ أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين ، فلله
الحمد دائما كثيرا طيبا مباركا ، فلما تمت هذه الوقعة ووضعت الحرب أوزارها
أمر السلطان بضرب مخيم عظيم ، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرّة
، وعن يساره مثلها وجيء بالأسارى تتهادى بقيودهم ، فأمر بضرب أعناق جماعة
من مقدمي الداوية والأساري بين يديه صبراً ، ولم يترك أحدا منهم ممن كان
يذكر الناس عنه شراً .
مِن محاسنه :
محاسن صلاح الدين جمة ، لا سيما الجهاد ، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده ، وله عقل جيد ، وفهم وحزم وعزم .
قال العماد : أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس . قال : وما حضر
اللقاء إلا استعار فرسا ، ولا يَلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن ،
نـزّه المجالس من الهزل ، ومحافله آهلة بالفضلاء ، ويؤثر سماع الحديث
بالأسانيد ، حليما مقيلا للعثرة ، تقيا نقيا وفيا صفيا ، يُغضي ولا يغضب ،
ما رد سائلا ، ولا خَجّل قائلا ، كثير البر والصدقات ، أنكر علي تحلية
دواتي بفضة ، فقلت : في جوازه وجه ذكره أبو محمد الجويني . قال : وما
رأيته صلى إلا في جماعة .
وكان صلاح الدين شديد القوى عاقلا وقورا مهيبا كريما شجاعا .
زهده :
لم يُخلّف صلاح الدين في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما
وديناراً صوريا ، ولم يُخلف ملكا ولا عقارا رحمه الله ، ولم يختلف عليه في
أيامه أحد من أصحابه ، وكان الناس يأمنون ظلمه ، ويرجون رِفده ، وأكثر ما
كان يصل عطاؤه إلى الشجعان وإلى العلماء وأرباب البيوتات ، ولم يكن لمبطل
ولا لمزاح عنده نصيب .
وفاته :
توفي رحمه الله بقلعة دمشق بعد الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمس مئة .
فرحم الله ذلك القائد البطل الشجاع صلاح الدين الأيوبي ....
(( منقول ))